قصة الجريمة الصائبة بقلم سلسبيل أحمد
![]() |
قصة الجريمة الصائبة بقلم سلسبيل أحمد |
"الجريمة الصائبة"
في مجتمعي ترتكب آلاف الجرائم كل يوم، لكن كلها لا تُعدّ جرائم إذ أن أُناس هذا المجتمع يمارسونها باعتيادية كما الطعام والشراب، وجميعها لا تخضع أمام عدالة القانون، سئم أناس مجتمعي الجرائم التي يرتكبونها خلف الستار ليظهروا ويكأنهم لم يفعلوا شيئًا وسئم المجرمون القائمون بالقانون عادة التستر على الجرائم وتزيف صورة مثالية للمجتمع لكي يبدو ويكأن القانون لا يحكم فيه لأنه يخلو من الجرائم والمجرمون ، فطوّعت لهم نفوسهم الطاغية تخصيص يوم فيه يُتاح ارتكاب الجرائم بلا عقوبة، لترتكب الجرائم بإريحية في العلن حيث لا يحتاج المجرم لستار يواري خلفه جرائمه ولا يحتاج القانون الفاسد لصورة زائفة تواري فساده، ولهذا بينما أجلس بمنتصف غرفتي على كرسيّ متهالك بمحازاة الطاولة الفارغة من كل شيء عدا مصباح جاز ينير الغرفة أخذت أُفكر كيف سيكون هذا اليوم؟ ما نوع الجرائم التي سترتكب فيه؟ وأي جريمة تستحق أن انتهز هذا اليوم لارتكابها والتي إن حاولت ارتكابها في يوم آخر ستؤدي بحياتي؟، أي جريمة يمكن ألّا يُبيحها هذا المجتمع الذي يُدين الصلاح ويُبيح الفساد والبغي أو يمقتُها أُناسه الذين يمحقون الحلال والصلاح ولكن يُصفّقون بحرارة تحت راية الفساد بينما ترتفع شيئًا فشيئًا؟، وها أنا أجوب الحي الذي أقطن فيه بينما أُفكّر أين سأرتكب جريمتي الأولى؟..، عادة تُرتكب الجرائم في المناطق التي لا تطؤها أقدام كثيرة حيث يجتمع عدد من السفهاء ليمارسوا أشيائهم المعتادة والتي جميعها في الأصل تنتدرج تحت مسمى صنائع السوء لكنهم يلقبونها بمسميات تُزيّنها كما تفعل مساحيق التجميل مع الوجه القبيح، لكن هذا اليوم حيث يمكنهم ارتكاب الجرائم بحرية تامة في العلن ما الذي سيدفعهم للتخفي؟ فمثلًا ما الذي سيدفع القاتل لإخفاء اداة القتل ليظفر بالضحية بعيدًا عن الأعين بينما يمكنه أن يشهر الأداة والجريمة ويقتل مَن أراد متى أراد؟، وبينما أسير منهمك في التفكير فإذا بي أصتدم برجل لا أعرفه في إحدى يديه سيجارة وفي الأخرى مسدسًا! إذًا لابد أنه على وشك ارتكاب جريمة قتل! فأسرعت قائلًا:
_مهلًا يا صاح! ماذا تفعل بهذا المسدس في يدك!
فقاطعني قائلًا بنبرة يمؤلها الحزم والغضب:
_ إصمت أنت واغرب عن وجهي ما شأنك بما أفعل؟!
_إهدئ يا صاح كي لا تُخطئ!، هل خانتك زوجتك؟ إن فعلت لا بأس أخبرني سنجد لها عقابًا مناسبًا
فأجابني:
_أي زوجة تلك التي سأقتُل لأجلها!.
وأكمَل بغيظ: بل سأقتل مُقامرًا جبانًا ربح مالي كله في نِزال بيننا ليلة أمس!
_حسنًا يبدو لي أنك رجلًا طيبًا لا أُحبّذ أن تتسخ يداك بدماء مُقامرًا ومن ثَم تُسجن!، دعك منه وابدأ من جديد صدقني لابد أنه قد خسر مالك في نِزال آخر
فرد بتعالي:
_السجن؟ هذا السجن أنا الذي أزج بالمجرمين داخله، لا أصفاد يمكن أن تكبّل يداي!
_ إذًا أنت ضابط!
_بل قاضي
وهكذا تبينت الحقيقة كاملة، فهو قاضي مقامرًا لا يقيم القانون الذي يفترض أنه يحقق به العدل!، أردت أن أجادله حتّى يهتدي إلى رشده لكن بينما يدور هذا الجدال بيننا فوجئتُ بأحد رجال الدين يعبر الطريق أمامي وبصحبته إحدى المراهقات، لو أن هذا الأمر يحدث في غير هذا اليوم لما انتابني الشك حياله أبدًا لكننا نعلم أي يوم هذا، فلم يبدو لي حلًا غير أن أجرّ خلفي ذاك القاضي ونذهب خلفهما، فتابعناه حتّى استقرّ في مكان ما ووقفت أراقب المشهد من بعيد، ما الذي يحاول فعله؟ يبدو الأمر واضحًا فها هو فاسد آخر يحاول الاعتداء على فتاة صغيرة!
وجهت كلامي للقاضي الذي يقف بجانبي مشدوهًا فقلتُ:
_ يا سيدي القاضي أنظر ماذا ترى! هذا السفيه يجب مقاضاته وها أنت تشهد على سفاهته!
فنهرني موضحًا لي أنه مشدوهًا إثر فعلي أنا فقال:
_ دع الرجل يلهو!
_يلهو!!!..
هكذا أفقت من شرودي مذعورًا، فكيف يمكن أن أتصوّر هذا الفساد ولا أُذعر؟!، لكن لا بأس فأنا الآن أملك خطة محكمة لجريمة يمكنني المجازفة بارتكابها وهي جريمة الإصلاح!، فإن كان التصدي للفساد وإصلاح المجتمع وحثّ الناس على الصلاح جرائم فتلك هي الجرائم التي يملك القانون حقّ السكوت عليها والتي يجب أن ارتكبها بفخر وعزّة.
إرسال تعليق